14 - قلد جرجي المستشرقين في شبهاتهم , فزعم أن الرهبان علموا النبي الكريم صلى الله عليه وسلم , كما زعم ظلم العرب وحبهم للغنيمة , وأن الإسلام لا يشجع حرية الفكر والفلسفة , وأدان الرشيد في نكبة البرامكة ..
15 - وكان جرجي يختصر في ما ينبغي الإطناب فيه , والإطناب فيما ينبغي الاختصار .. كوصف الدير , أو بستان , أو غرفة , أو جارية .. بينما يذكر عين جالوت في سطرين دون ذكر اسمها , ولا يذكر غزوات النبي صلى الله عليه وسلم مطلقا , حتى أنه في كتابه ( تاريخ آداب اللغة العربية ) , خصص اثنتي عشر صفحة لموضع أجنبي بعيد عن آداب اللغة العربية , وهو آداب اللغة اليونانية وأطوارها , وتراجم مستقلة بصور كبيرة لفلاسفة اليونان , وآداب اللغة الفارسية وأطوارها , وآداب اللغة السريانية وأطوارها وآداب اللغة الهندية .. نقل هذه المباحث من دوائر المعارف , نقلها هنا بلا مناسبة , وكان الأولى به أن يحل محلها كتاب الدولة العباسية , وهم فحول البلاغة , وقادة علم الكلام .
ومما يذكر هنا .. التطويل والتكرار في موضوعين أو ثلاثة لغير موجب , مثل : وصف جمال الغانيات والجواري , والتهتك والخلاعة , وإثارة الأحقاد بين المسلمين , ثم إعادة ذلك بعينه في كل رواية !!
16 - يتضح من مراجعة كتب ( جرجي ) أنه لم يطلع مطلقا على ( منهج البحث العلمي ) .. ويتجلى ذلك في اعتماده على كتب شك المؤرخون بصحتها , بل وعرفوا كذبها ومجونها .. مثل الأغاني الذي جعله مرجعا رئيسيا في معظم رواياته ..
17 - كما دون جرجي في رواياته تصورات أبطال هذه الروايات , وما قالوه في أنفسهم , وما سمعوه من هواتف , وما مر على خواطرهم من ذكريات .. حتى أحلامهم سجلها جرجي ..
وليس بمثل هذه الخيالات يكتب تاريخ على وجه البسيطة !!
وختاما أقول :
عرض فيلم سينمائي بدمشق عن الفراعنة عام (1956) , ولأنه يسئ إلى الفراعنة الذين يشكلون جزءا من تاريخ مصر عندما صور ظلم نظام السخرة في بناء الأهرامات , قدمت دار العرض قبل بدء الفيلم لوحة تقول : ( إن هذا الفيلم لا يمت إلى الحقيقة التاريخية بصلة مطلقا ) , فهل هان علينا تاريخنا وأصبح أهون علينا من تاريخ الفراعنة ؟
أهان علينا محمدنا وعمرنا وعلينا , وهان علينا الرشيد وصلاح الدين , حتى قام هندي , ولكنه مسلم يستصرخنا للدفاع عن تاريخنا .. إنه الشيخ شبلي النعماني رئيس جمعية ندوة العلماء بالهند , هندي يغضب لتاريخنا المجيد ونحن لا نبالي؟
وإذا سئلت عن الحل والواقع يقول : إن هذه الروايات في الأسواق تطبع وتنشر وتروج بين القراء , فماذا نعمل ؟
أقول : الحل حلان : إما منع هذه الروايات من التداول في الأسواق وإبراز فسادها في وسائل الإعلام المختلفة , وهذا هو الواجب الأول والأخير , وإما إلزام دور النشر والمطابع بوضع عبارة كعبارة فيلم الفراعنة : ( هذه الروايات الزيدانية لا تمت إلى الحقيقة بصلة) .
اللهم إنها صرخة مخلصة , فلا تجعلها يا رب صرخة في واد .
اللهم إني قد بلغت اللهم فاشهد .
وقال الأستاذ أنور الجندي في كتابه ( إعادة النظر في كتابات العصريين في ضوء الإسلام )(انظر الكتاب ص174-178) :
( أما المجال الذي استطاع جرجي زيدان أن ينفث سمومه فيه بحرية , فهو مجال القصص , فقد ألف عددا من القصص تحت اسم ( روايات الإسلام) , دس فيها كثيرا من الدسائس والمؤامرات والأهواء , وحاول إفساد مفهوم الشخصية الإسلامية والبطولة الإسلامية , حيث أساء إساءة بالغة إلى أعلام من أمثال صلاح الدين الأيوبي , هارون الرشيد , السلطان عبدالحميد , عبدالرحمن الناصر , أحمد بن طولون , الأمين والمأمون , عبدالرحمن الداخل , شجرة الدر , وقد أقام تصوره على أساس خطير :
أولا : تصوره للخلفاء والصحابة والتابعين بصورة الوصوليين الذي يريدون الوصول إلى الحكم بأي وسيلة , ولو كان على حساب الدين والخلق القويم مع تجريحهم واتهام بعضهم بالحقد وتدبير المؤامرات .
ثانيا : تزييف النصوص التي نقلها عن المؤرخين القدامى وحولها عن هدفها تحويلا أراد به السخرية والاستخفاف بالمسلمين وبنى عليها قصصا غرامية باطلة .
ثالثا : استهدف من حشد القصص الغرامية ذات المواقف المسفة داخل روايات ( تاريخ الإسلام ) إثارة غريزة الشباب وتحريك شهوة المراهقين , مستغلا ضعف ثقافة الكثيرين منهم وجهلهم بالغاية التي يرمي إليها في الروايات , مع الاستشهاد بالأبيات الشعرية المكشوفة الساقطة التي تحرك الغرائز الدنيا .
انتظروا الحلقة السابعة وهي قبل الأخيرة