قد ذكر الدكتور [ جورج طعمه ] المدرس في جامعة الكويت أنه تربى في مجتمع دمشقي أصيل - وحديثه صحيح - فإن هذا المجتمع الذي يعيش في كنفه الدكتور مجتمع ورث عن أجداده المسلمين تقاليد وعادات طيبة تحترم الجميع وتعطي الحرية لكل إنسان يؤدي عبادته كما يريد ، لقد نظم الاسلام علاقة الدولة مع أهل الذمة ، وهم اليهود والنصارى ، فتكفل الاسلام بحمايتهم وتوفير الطمأنينة التامة لهم مقابل مبلغ زهيد يدفعه القادر منهم
فهذا القرآن الكريم يأمرنا بعدم قتال النصارى واليهود وتركهم على ما يعتقدون وفي شأن محاورتهم :
أمرنا الاسلام أن نجادلهم بالحسنى ، قال تعالى : { ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم }
قال صفوان بن سليم عن عدة من أبناء الصحابة عن آبائهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( من ظلم معاهدا أو انتقصه أو كلفه فوق طاقته أو أخذ شيئا منه بغير طيب نفس فأنا حجيجه يوم القيامة ) (١)
وروى الامام البخاري بسنده عن عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( من قتل معاهدا لم يرح رائحة الجنة ، وإن ريحها توجد من مسيرة أربعين عاما ) (٢)
وهذا أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه يرى شيخاً طاعناً في السن يتسول وكان من اليهود فأخذه إلى بيت مال المسلمين وعين له راتباً شهرياً طوال حياته ، أما أبو عبيدة عندما فتح حمص أخذ الجزية من أهلها لقاء حمايتهم فلما جمع له الروم حشودهم اضطر أبو عبيدة إلى التخلي عن المدينة فأرجع لهم الأموال التي أخذها منهم لأنه عجز عن حمايتهم
وهذا عمر بن الخطاب يدخل بيت المقدس ويؤمن النصارى على صلبانهم وكنائسهم وأموالهم وأرواحهم ، وأعطاهم بذلك عهداً ، وهذا صلاح الدين يفعل نفس الفعل
قال علماؤنا : أما عقوبتهم إذا امتنعوا من أدائها مع التمكن فجائز ، فأما مع تبين عجزهم فلا تحل عقوبتهم ، لأن من عجز عن الجزية سقطت عنه ، ولا يكلف الأغنياء أداءها عن الفقراء (٣)
وهذه الأندلس حين فتحوها المسلمين سنة ٩٣ هـ - ٧١١ م وأدخلوا الاسلام إلى أسبانيا معظمها ، لم يمنعوا مسيحيا عن إقامة شعائر دينه قال المستشرق توماس.و. أرنولد : تسامح المسلمين مع المسيحيين في أسبانيا ( أما عن حمل الناس على الدخول في الاسلام أو اضطهادهم بأية وسيلة من وسائل الاضطهاد في الأيام الأولى التي أعقبت الفتح العربي فإننا لا نسمع عن ذلك شيئاً ..(٤)
لقد أتى الاسلام وحرر النصارى من ربقة العبودية ، إذ كانوا قبله لا يملكون حرية الاعتقاد ، فمن حمل مذهباً مخالفاً لمذهب حكومة الرومان كانوا يعرضونه لأشد أنواع التعذيب والقتل ، مع أنهم أبناء النصرانية ، وكانوا يرهقون الأهالي بالضرائب الفاحشة حتى أتى الاسلام ، فعاشوا آمنين مطمئنين على كل شئ وعاشوا أحراراً في ظل عدالة الاسلام ، يقول الكونت هنري دي كاستري : ( إن مبالغة المسلمين في الاحسان إلى خصومهم ، هي التي مهدت للثورة عليهم ، وأتاحت للمتعصبين المسيحيين أن يجمعوا أمرهم على العصيان وأن يستغلوا الفرص في القضاء على الدولة التي منحتهم حق الحياة وحرية التدين ، ولو أن المسلمين عاملوا الاسبان مثل ما عامل المسيحيون الأمم السكسونية ، لأخلدوا للاسلام واستقروا عليه )
هذه شهادات النصارى يا دكتور وكثيرة هي الشهادات التي على هذه الشاكلة
—————————
(١) أبو داود : سننه باب الامارة الحديث رقم ٣٣
(٢) الامام البخاري في صحيحه ص ٤ ص ١٢٠ ط دار الشعب المصري
(٣) القرطبي الجامع لأحكام القرآن الكريم ٢٩٤٨، ٢٩٥٤ بإختصار
(٤) الدعوة إلى الاسلام ص ١٥٧ ترجمة حسن إبراهيم وآخرين